تجربة المشاركة في المناظرات لم تكن مجرد تحدٍ جديد أو تجربة جديدة أو فرصة لتقديم أفكاري بل كانت رحلة مثيرة وفريدة من نوعها. غمرت نفسي في عالم النقاش والجدل، وجدت نفسي أمام فرصة للتعبير عن أفكاري وحججي و دلائلي والاستماع إلى وجهات نظر الآخرين وآرائهم . يسرد هذا المقال تفاصيل رحلتي في عالم المناظرات، وكيف كانت رحلة غوصي في بحر النقاش والجدل وكيف أثرت هذه التجربة على تطوير جوانب كثيرة في حياتي والمهارات التي كسبتها خلال هذه الرحلة الفريدة .
ماهوعالم المناظرات؟
المناظرات هي عملية تبادل الآراء والحوار بين مجموعتين أو أكثر من الأشخاص، حيث يقومون بتبادل الحجج والآراء بشكل منظم مع وجود العديد من القوانين التي تجعلها مختلفة عن الحوار أو النقاش المعروف لدى الجميع ويتم فيها مناقشة موضوع محدد وقد تكون مشكلة اجتماعية أو سياسية اقتصادية ، تعليمي ،ثقافية ، فلسفية ،تاريخية أو حتى تتعلق بالقضايا العلمية أو أي نوع من المشاكل التي يختلف عليها البشر ، ودائما ما ينقسم البشر الى فئتين الأولى موالية للموضوع والأخرى معارضة . والهدف الأسمى والرئيسي هو حل هذه المشاكل أو على الأقل تقديم بعض الحلول التي تقلل من هذه المشكلة أو حتى الحد منها. وأما الهدف الآخر يهدف إلى إقناع الجمهور بالرأي أو الحجة التي يقدمها كل فريق. ومع كل هذه الأهداف الا أنه يوجد هدف خفي لن تكتسبه إلا عند مواصلة مشوار الغوص والخوض في هذا العالم ومنها تنمية المهارات و تندرج تحتها مهارات كثيرة منها: التفكير النقدي ،مهارة التحدث أمام الجميع والقدرة على التعبير بوضوح واقناع الآخرين برأيك أو حججك .
تتميز المناظرات بالتركيز على الجدل المنظم(القوانين)، حيث يتناوب الفريقان في تقديم حججهم والرد على الحجج وتفنيدها من الطرف الآخر. يُطلب من المشاركين في المناظرات الالتزام بالقوانين المفروضة وتحضير حججهم و دلائلهم للقيام بسردها وتقديمها للجمهور بشكل واضح و مثبت مع وجود دلائل وإحصائيات أو بحوثات أو حتى دراسات واستخدام اللغة المفهومة لدى الجميع أو قد يفرض في بعض الأماكن التحدث باللغة الرسمية كاللغة العربية الفصحى مثلا.
الخوض في المناظرات
لقد بدأ كل شيء بالصدفة حين ما كنت في الصف الثالث متوسط، كنا ندرس الحصة كالعادة ولكن تلك المرة عرفنا الأستاذ عن شيء جديد قالها بصوت جهوري ما هي المناظرات يا طلاب؟ فلم يرد عليه أحد، بالطبع كيف نرد ونحن لأول مرة نسمع بهذا الاسم! ولكن مع مرور الوقت شرح لنا الأستاذ بالتفصيل المُمل، وبالطبع قام الأستاذ بتقسيمنا إلى مجموعات كثيرة لتطبيق ما تعلمناه، وبدأت المنافسة كان كل شيء يسير وفق الخطة، لكن كلنا كنا نرتكب الأخطاء الفادحة ولكن كنا نتعلم من أخطائنا، وكما يُقال عشقت من أول نظرة وأنا أقول عشقتها من أول تجربة. لقد كانت شيئا جديداً بالنسبة لي، لكن لم يكن تجربة شيء جديد لأول مرة كان السبب الرئيسي وراء دفعي للمشاركة بل كان يوجد العديد من الأسباب ومنها: أن أكتسب مهارات كثيرة كمهارة التحدث والإلقاء ومهارة التحدث أمام الجمهور ولا ننسى مهارة التثقف ومن هنا كان منبع شغفي يدفعني للأمام من هذه النقطة .
منبع الثقافة
منبع الثقافة كان كنزاً لا ينضب، يفتح أمامي أبواب العجائب والاكتشاف، عندما غمرتني أمواج هذا البحر الثقافي، شعرت بنبضات الفضول تتسارع وروح البحث تنبعث من داخلي، لم تكن الثقافة بالنسبة لي مجرد مجموعة من المعلومات، بل كانت محرِّكًا لروح الاستكشاف والفهم.
ما أعجبني أكثر في هذا المنبع هو القدرة السحرية لتحويل الفضول إلى رحلة مستمرة من التعلم، كل موضوع وكل قضية تفتح أمامي أفقًا جديدًة، وكل معلومة تنمو في عقلي تشعل لدي الشغف للبحث عن المزيد، وكلما انغمست في أعماقها، كلما تزايدت حبال الفضول التي تربطني بها. إن فهم معلومات مختلفة لم يكن فقط تحديًا، بل كان أيضًا نافذة لتعلم مواضيع مختلفة وكثيرة.
التحديات والعقبات
في رحلة التحضير للمشاركة في عالم المناظرات، وجدت نفسي أمام متاهات كثيرة وتحديات لا تُحكى، كلها كانت تنتظرني في الزوايا المظلمة لتختبر إصراري وقوة عزيمتي . لم تكن تلك تحديات عابرة، بل كانت عقبات ملموسة أحاول تجاوزها، وأحيانًا تبدو كأنها جدران صخرية تعيق تقدمي للأمام.
من مواجهة الضغط الزمني الملحوظ للتحضير، إلى التحديات اللغوية وضبابية الرؤية في بعض المواضيع حينما كانت المصادر إما غير موثوقة أو قليلة لا تكفي للبحث الموسّع و يجب أن يكون بحثك شاملًا ويشمل مصادر متعددة. استخدم مكتبات، قواعد البيانات، ومواقع الإنترنت الموثوقة لجمع المعلومات. لا كتفي بجمع المعلومات بل يجب تحليلها بعمق، ومحاولة فهم كافة جوانب الموضوع والتحقق من تاريخ نشر المعلومات لضمان أنك تستخدم معلومات حديثة وصحيحة. ولا ننسى أن بعض المواضيع لم يكن المؤيدون كثيرون بل كنا نواجه معارضة المجتمع بأكمله وكان يتوجب علينا اقناعهم، ولا أنسى حينما توضع في مأزق وأنت معارض لتلك القضية أو الموضوع ولكن شاء الله أن يضعك في موقف صعب ليختبرك ويجب عليك اقناع نفسك أولاً ثم الجمهور ثانياً. كانت كل تلك العوامل تشكل عبئًا ثقيلًا. ومع كل تحدي جديد، كنت أدرك أنه يتعين عليّ أن أكسر حاجز الخوف وأغوص في عمق الإبداع لتحقيق التميّز.
كانت تلك أهم التحديات الرئيسية، أما التحديات الأخرى والتي يقع فيها كل مجرب في هذه الرحلة فيمكن نسردها بإيجاز كالتالي:
في طريق الحياة، نكون عرضةً لمختلف التحديات والعقبات، ولكن الفارق الحقيقي يظهر عندما نقرر أن نواجه هذه الصعوبات بروح الاستمرارية. إن استمرارنا في مواجهة العقبات يعكس إرادتنا وقدرتنا على التحلي بالصمود أمام الصعاب.. تتطلب الاستمرارية إيمانًا قويًا، حتى في أصعب اللحظات.. في كل ضربة تتلقاها يكون الاستمرار في الصمود هو الطريق الوحيد لتحقيق النجاح. كل هذه التحديات كانت عقبة لدى الجميع، البعض يُكمل المسيرة والبعض الآخر يستسلم عند أول نقطة وأنا والحمد لله كنت من الفئة الأولى .
التعلم والتطور
التعلم والتطور، هما رحلتان مرتبطتان ببعضهما في مسار حياتنا، تمثلان أساسيات نمونا وتطوّرنا الشخصي. يمثل التطور النتيجة البراقة لتلك الخبرات والدروس التي نكتسبها مع مرور الوقت .
في هذا الرحلة المستمرة، نجد أنفسنا في دائرة لا نهائية من التجارب والتحديات، حيث يأخذنا الفضول لاكتشاف المزيد والاندفاع نحو آفاق جديدة، التطور، بدوره، يكون نتيجة طبيعية للخبرات والتعلم. يتيح لنا التطور تحسين أنفسنا و مهاراتنا.
ومن أهم نقاط التحول التي يمكن اكتسابها من رحلة الغوص والخوض في عالم المناظرات هي:
الختام
في ختام رحلة المناظرات الشيقة بحلوها ومرها، نجد أنفسنا مغمورين بتجربة لا تُضاهى من التعلم والتطور. فقد كانت هذه الرحلة ككنز دفن في صحراء قاحلة من وجدها فقد وجد كنزا مدفونا لا يعرف قيمتها إلا من جربها وخاض فيها . كما تترك رحلة المناظرات أثرًا لا يمحى في مساراتنا الشخصية والمهنية.
من خلال تلك المواجهات اللفظية وتبادل الحجج، تعلمنا أن التحدث بوضوح والاستماع بفهم هما مفاتيح التواصل الناجح. وكل تحدي كان فرصة لتطوير مهارات البحث والتحليل، وتقوية العزيمة وتحسين القدرة على التفكير المنطقي.
رغم أن ختام كل مناظرة يُعلن عن فائز وخاسر، إلا أن الفوز الحقيقي يكمن في العمق الذي وصلنا إليه كأفراد. إنها فرصة لتحقيق التطور الشخصي وتحويل التحديات إلى فرص للتطوير، فكل كلمة نطلقها وكل حجة نقدمها تبني جسرًا نحو التواصل البناء والفهم المتبادل بين كلا الطرفين .
فلنجمع ما جنيناه من هذه الرحلة، ونحملها معنا إلى المستقبل كخبرات لا تُنسى وذكريات ترسخ في جدار ذاكرتنا . إن رحلة المناظرات ليست مجرد مسابقة، بل هي مدرسة للحياة، حيث نتعلم دروسًا قيّمة لا تُدرس في الكتب. لقد وصلت الى مرحلة متقدمة في هذه الرحلة ولأخبركم أنه ليس لها نهاية بل هي آفاق كلما فتحت بابا فتحت لك أبواب يملك كل واحد آفاقا جديدة وأنا لن أتوقف عند هذه النقطة بل سأواصل الاستمرار والتقدم لأصل الى المرحلة الذهبية .
كل فردٍ في فريقي نغمة مميزة في العمل الجماعي، يتناغمون بتفاهم، تفهم من عيونهم لغة القلوب النبيلة، يجسدون بها روح النبل والإيجابية، حيث يعتبرون بعضهم البعض كأسرة مُتكاملة.
لدى كل شخص في هذه الحياة كنوزا مدفونة لم يعرفها بنفسه فلقد تم الكشف عنها من قبل أشخاص آخرين , بسبب تنفيذ عمل أو مشروع معين , فإنه بالتالي تكون لديه الرغبة والاصرار في التجربة عندما يحاط بأشخاص ذو همة يسعون نحو التميز ايضا .
-حفصة المقداد
